![]() |
فانوسي |
( رمضان) دائماً
أشعر بأنه روح تنزل علينا وليس أسماً لشهر
هجريا, أشعر بأنه محسوساً وملموساً وكأنه
ملاكاً رغم أني لا اراه علي هيئة معينة, أشعر بأنه روح تسكن روحي وطيفه لا يتركني,
وأنا صغيرة كنت أنتظر قدومه بفارغ الصبر لكي أجهز نفسي من أجله, فأجهز خليط (
النشاء والماء) لكي ألصق به الزينة, واشتري زينة (كروشيه) ألوان أحمر وأخضر وأزرق,
وأجلس علي الأرض وأبدأ بقص الزينة علي هيئة شرائط وأبدأ بلصقهم, وعندما إنتهي كانت
الإبتسامة تنير روحي وأبدأ بسحب الزينة وأجري بها في أرجاء المنزل ثم أذهب إلي
البالكونة وأعلقها وتظل يداي الصغيرتان تداعبان الزينة وعيناي تراقبان أبناء
الجيران وهم يصنعون (الفانوس الخشبي) ويتمازحون ويضربون بعض بالعصيان الخشبية ثم يغلفونه (بجلاد ملون) ويربطونه بحبل
ثم يصعدون إلي بيوتهم ويخرجون من البالكونات ويبدأون في سحبه وكل منهم يبدأ في
توجيه الآخر: ياغبي شد شوية عشان يكون في النص..
وعندما ينتهون
ينيرونه فتتعالي صيحات الفرحة والصفير والتصفيق ورغم تعبهم إلا إنهم ينزلون مرة
أخري ويبدأون في تركيب (اللمبات) و يتمازحون وينبه كل منهم الآخر بأنه يحترس لكي
لا يكسر اللمبه ولا يمر لحظات إلا وأحدهم يجري بطريقة عشوائية فيكسر اللمبة, و
يبدأ كل منهم في ضرب الآخر..وأنا لا أتوقف عن الضحك, وتظل يداي تداعبان الزينة
..إلي أن تنادي علي أمي..أن دار الإفتاء علي القناة الأولي لكي تذيع هل رمضان غداً
أم لا؟! فأقفز من علي الكرسي وأحاول ألا أقع, فأقع ولكن لا أكترث وأكمل جري لكي
أشاهد (المفتي) وهو يتحدث, كم كنت أحب أن أستمع إلي كلماته التي تسبق أعلانه عن رجوع
شهر رمضان..رغم تلهفي أن ينهي حديثه سريعاً لمعرفة متي رمضان؟! وتظل أمي تقول:
شكله مش بكره ..وأنا أنظر لها بتهجم وأقول لها: لا بكره, وما إن يعلن إنه
غداً..أسمع التصفيق والتهليل يملأ أرجاء الشوارع, أكاد أسمع جميع الشوارع في آن
واحد, وكأنه أعلن عن قدوم الفرحة!!
هو بالفعل فرحة!! ففيه
تحبس الشياطين وتنتشر الملائكة, فيه يحبس الشر وينتشر الخير, فيه يحبس الهم وينتشر
السكينة والأمان!!
ومع هذه الفرحة المختلفة كنت أنزل أنا وأمي لكي أشتري (الفانوس)
وأظل أتفرج علي الشوارع التي زينتها الأنوار والفوانيس والزينة الورقية وكأنها
تحولت إلي ( كرنفال) والأطفال الذي يجرون يميناً ويسارأ ومنهم من إنتهي من الزينة
ويلعبون الكورة ومنهم مازالون يعلقون الزينة, و(كرنفال الفرحة) تجدها في كل مكان,
تنبعث من العمائر ومن وشوش الناس, تشعر كل شئ دب فيه الفرحة مرة أخري تكاد أن
تستنشق رائحة الفرحة, تشعر بأن عادت الحياة مرة أخري, وكأنك أصبحت في الجنة وليس علي الأرض!!
أقف عند بائع
الفانوس وأظل أتفرج علي جميع (الفوانيس) منها المعدني والذي يضاء بالشموع ومنها
البلاستيك الذي يغني: روحت ياشعبان أيوحه ..جيت يارمضان أيوحه..فأشعر وكأني أميرة,
أجعله يضئ لي كل فانوس يعجبني, وأحيره معي إلي أن استقر علي واحداً فطلب منه أن لا
يضعه في العلبة لأنني سأحمله معي, وبالفعل أخده منه وأضيئه وأظل أغني وأنا ممسكة
بيدي أمي: وحوي يا وحوي..
ويغطي علي صوتي,
صوت بائع الفول والبليلة: فوووووووول, وقبل أن ينادي فأنا إستطيع أن أعرف قدومه من
رائحة الفول والبليلة التي تسبق صوته..أكاد أشعر بدفئ الفول والبليله قبل أن أقترب
منه, وعندما أقترب أغمض عيناي لكي استنشق أكبر قدر من رائحته وعندما أفتح عيناي
أجد الأطفال يقفون ( بعلب البلاستيك) لكي يضعون فيها حلوتهم ..الفول والبليله, أنا
أعتبرها ((حلوي رمضان)) ورغم سخونة العلبة إلا إنهم كانوا لا يضجرون بل الفرحة
تغمرهم أكثر!!
وما أجمل عندما
أمر علي الدكاكين وأجد الإبتهالات تنبعث منها, أشعر إنها تنبعث من الجدران وليس من
الراديو أشعر برائحتة أصوتهم تفوح ريحاناً.. أمثال النقشبندي: مولاي أني ببابك..
عندما اسمعه كنت
أتذكر جدي, فلقد كان يحب التواشيح وكلما
سمعتها أدعو لجدي بالرحمة والغفران, فصوت النقشبندي بالنسبة لي يعني جدي ويعني
الأمان ويعني لي الكثير, يجعل قلبي وروحي بل كياني بأكمله يضيئون مثل الشوارع,
وكأنه صوته هو زينة روحي !!
وعندما أصعد إلي
المنزل, أقرئ القرآن الكريم وأصلي والهواء العليل ينبعث من داخلي, أشعر بالفعل
وكأن في هواء يخرج من روحي ويطوف حولي لكي يشعرني بالسكينة ونور قلبي يضئ لي طريقي!!
بعد أن انتهي أظل
انتظر (المسحراتي)..وما إن أسمع صوته: يانايم وحد الدايم..أصحي ياشيماء..أصحي
يامحمد, فأسرع وأفتح ستائر حجرتي لكي أراه, فأني أراه يعتبر فرحة بالنسبة لي,
فدائما كنت أشعر بأنه رجل الأساطير, أشعر وهو يقرع علي طبلته بأنه يحكي لنا حكاية
..حكاية رمضان, فهو من أبناءه لا يحلي رمضان بدونه!!
ثم أدخل أنام وأنا أحلم بأن يأتي غداً لكي أشاهد
فوازير ( نيللي) وكنت اشتاق لها جدا لكي أري استعراضتها وملابسها واشتاق أن أحل
فوازير 30 يوم وأن أرسالها في جواب لعل يحالفني الحظ وأكسب وكنت اشتاق إلي استماع (حكايات
ألف ليلة وليلة ) وصوت ( زوز نبيل) الصوت الحاني الدي يحلم به أي طفل أن يشدو له
أو يحكي له حكاية.. صوتها الذي كان ينقلني في ثواني من زمن إلي زمناً أخر, تجعلني
أشعر بأني أعيش مع شهر زاد وشهر يار في زمنهم..تجعلني أحلم بأني أعود إلي الوراء
لكي أعيش في نفس الزمن وارتدي نفس ملابسهم وأعيش حياة الأمراء!!
كل شئ كان له روح
تسكنه!!
له طعم تتذوقه!!
له عطر تستنشقه!!
لماذا كل شئ في
رمضان له روح ومذاق وعطر لا يوجد في أي شهرا آخر؟!
ولماذا طعم الفول
ورائحته مختلفين في رمضان مع إنه نفس الفول الذي نأكله طوال أيام السنة؟!
وأتسائل أيضا لماذا
إحساسنا و أرواحنا وشكلنا هم أيضاً مختلفين؟!
لماذا ( اللمة) فيها
الحب والدفئ والفرحة هم أيضاً مختلفين؟!
لماذا الشوارع
والعمائر شكلها مختلف رغم إنها موجودة دائماً؟!
لماذا يصبح كل شئ أجمل !!
لم أعرف إجابة
محددة..
ولكن عندما أصبح
كل شئ الآن ليس له روح ولا طعم ولا عطر..عندما أصبحت الفوانيس عبارة لعب أطفال
أمثال: كورمبو وسبونش بوب, أشياء لا تمط لنا بصلة ولا يعرفه رمضان وينكر معرفته
بهم!!
عندما أصبحت (
الزينة) عبارة عن عن أكياس شيبسي مقصوصة بشكل عشوائي, ولا يصنع الفانوس بل يعلق
فانوساً معدنياً توفيراً للمجهود, وعندما أصبح التلفزيون وقراً ( لقلة الأدب
والإنحلال) من مسلسلات تحث عن المعصية ولا تحترم إننا في شهر رمضان, وعندما أصبحت
الإعلانات لا تعبر عن أي شئ..إعلانات السمنة والمياه الغازية والسكر التي تعبر فقط
إن رمضان شهر الطعام وكأن لا يوجد طعام ولا شراب في سائر الشهور, و وعندما أصبحت
الإعلانات التي تحث الناس علي التبرع هي إعلانات غير آدمية, وعندما أصبحت ( اللمة) لمجرد الأكل فقط, وعندما
أصبح ( المسحراتي) دوره ثانوي..وعندما أصبح شهر رمضان يميزه دهابنا إلي (
الهايبرات) لتخزين أكبر قدر من الطعام وكأننا داخلين علي حرب..وليس شهر عبادات ..
عرفت الإجابة..
( البركة) البركة
كانت تسكننا وتسكن كل شئ من حولنا, والبركة هي التي كانت تجعل لكل شئ نفعله طعم
وروح وعطر, البركة التي تأتي مع رمضان ولا تفارقه, البركة التي كانت تكبر بسبب قربنا من الله وحبنا وودنا وفرحتنا مع بعض,
البركة التي كانت تكبر بأصوات الصلاة التي تهز أروحانا فنبكي ونحن في منازلنا,
البركة التي كانت تكبر عندما نقدس شهر رمضان, البركة التي كانت تشتعل بنا!!
أم الآن فلا يوجد
بركة..
يأتي رمضان ببركته
..
فلا نستقبله هذا
الضيف الكريم..استقبالا يليق به..
ولا نستعد له..
ننشغل بالطعام
ونسينا الفرحة التي ننتظرها مع قدوم رمضان..
أصبحنا نلجأ إلي
السعادة السريعة..التي تنطفئ قبل أن تشتغل..
أصبحنا لانصنع
فرحتنا..
فنجري وراء الطعام
والتلفزيون ..
ونجري وراء
شهواتنا..
وننسي بركة
رمضان..
البركة فرصة ياأما
تغتنمها لكي تشعر برمضان..لأما تسلب منك فتشعر بأن شهر رمضان مثل باقي الشهور!!
كل سنة وانتى طيبة وبخير وصحة وهنا وسعادة
ردحذفرمضان شهر جميل وزمان كانت ذكرياتنا فيه حلوة
ربنا يسعد أيامك
سردك ووصفك اصابني بشجن يمكن مااعرفش انام بسببه النهاردة :(
ردحذفتذكرت أمي الله يرحمها اكثر ذكرياتي معها التي أذكرها كانت في رمضان ولا ادري لماذا
تساءلت من قبل تساؤلاتك هذه وفكرت أن روح رمضان تهدى بالفعل لمن يحفظ رمضان في عباداته وطاعاته لا يكترث بما يعرضه التلفاز هي محاولة لاستحضار روح رمضان وتحضر بالفعل ربما ليس كالطفولة و تلك الايام القديمة
الا انها روح ايضا نسعد بها وننتظرها من عام الى عام
كل عام وانتِ بخير شكل رمضان السنة دي هيفقد الروح تمام ربنا يلطف
كل سنة و أنتِ طيبة :)
ردحذفأنا رمضان بالنسبة شهر راحة نفسية فعلاً، وبحاول أقرب ن ربنا فيه أكتر بقدر المستطاع
عجبتني تدوينتك جداً :)
ياااه على رمضان وجماله واحساسنا بيه ..
ردحذفكلامك صحييح فعلا رمضان كان مختلف تمام الاختلاف عن دلوقت ..
كفاية اننا وصلنا لدرجة اننا لما نفكر فى رمضان تلقائيا بنقول هنطبخ ايه وهنتابع مسلسلات ايه :-/
شئ مؤسف جدا بدل مانقول هصلي التراويح .. هختم المصحف كام مرة .. مش هعصي ربنا ..
بس بإيدينا نرجع كل ده حقيقة تانى .. ونصنع فوانيس حتى لو نعملها لاطفال يتامىمثل .. نقدر نجيب الزينة ونعملها زينة بجد مش اكياس الشيبسي .. بإيدينا نرجع فرحتنا وطاعتنا .. :-)
وكل سنة وانتى طيبة يا نيللي O:-)
كل سنة وانتى طيبة و بألف خير يارب
ردحذفودايما رمضان يحمل لنا روح و جمال مختلف
ربنا يسعد أوقاتك