عطر الأحباب

لكل كاتب عطره الخاص، نستنشقه من خلال كتاباته، فتعبر كلماته إلى قلوبنا، فندمن هذا العطر، أنه عطر الأحباب!

27 أبريل 2012

حينما تصبح الكلمات حجراً!


كل الكون كل كائن حي يتحدث..الحيوان يتحدث بلغته..والأشجار تتحدث..والرياح تتحدث..كل شئ يتحدث بكلمات ولكنها تفرق في اللغة..يمكن الكلمات واحدة ومعانيها أيضاً واحدة ولكن تختلف اللغة, من يعرف فمن الممكن بل الجائز أن الحيوانات تتحدث مع بعضها ولكن اللغة هي التي تجعلنا فقط لا نفهم معاني الكلمات, مثلما نسمع لغة فرنساوي أو صيني نشعر بأنها تلاصم ولكن في الحقيقة إنها لغة تعبر عن كلمات تعبر عن معاني تعبر عن حالة!

فالكلمات لها بريق يكمن في عمق الحروف المكونة لمعانيها, وتزداد إشراقا حينما يستقبلها آذان صاغية لك, آذان تشعر معها  بأنها انضمت إلي عالمك علي الفور ولم تتأخر ثانية, تترجم ما تشعر به وتتحدث عنه إلي عقله وفي ومضة عين يشعر القلب بما يتردد في العقل فتبهج النفس والروح معاً أو تحزن إذا كان الأمر يستدعي ذلك!
وتتحول الكلمات إلي حجراً! عندما تجد إمامها أذناً  تحولت في ثواني من جلداً ولحماً ودماً  إلي تجمد ما بداخلها فأصبحت صلبة مثل حائطاً من الصخر يصدها ولا يريد أن يستقبلها وإذا أراد أن يستقبلها لعله لكي يكون اشتاق لدوره وهو دفع الحجر بعيداً عنه وأن يلوذ بالفرار, ولعل السر في الفرار هو الفرار من الشئ وماهية الشئ إلي اللاشئ إلي الفراغ إلي عدم التفكير وإلي عدم انشغال البال بمزيداً من الكلمات, فالصخر يحمل الكثير بداخله وفوقه ومن حوله..وليس باستطاعته إلا أن يصد عنه المزيد, لا يهمه في هذا الوقت بصده أنه قد يصيب بمن صده بضربة قوية تجرح قلبك أو تجعك تزداد ألماً  فهو يري الأمر عادياً فهو لا يحتمل ومعه عذره فهو يحمل الكثير! أما من يشتاق للحديث معه يستطيع أن يحتمل الصمت ولا يعرف أنه عندما يلوذ..يلوذ بالصمت لأجل ألم يجتاح كل مشاعره, ومعه يلوذ قلبه إلي خياله لعل يجد فيه متنفساً بعيداً عن هذا العالم, هذا العالم الذي لا يعترف بوجود عالمه أو يعترف ولكن يأبي أن يوثقه!

الألم! الألم لا يكمن في قوة الصد ولا يكمن أيضاً في شكل الصد ولكن يكمن في  عندما تصبح العيون زائغة عنك تنظر إلي كل شئ  ..كل شئ إلا عليك.. وتصبح أشياء من الجماد أهم منك, فالجماد لا يصدر صوتاً وإن صدر صوتاً فأنه يصدر صوتاً من ناس غلافتهم الحياة بجنون التكنولوجيا والتي جعلت من عقولها مادة تشبه مادة الجيلاتين واقتربت خلايا عقلهم أن تتلف من كثرة عدم استخدامها للتفكير وتعطيلها واستخدام فمهم فقط للسخرية والتريقة علي خلق الله والحجة ((أحنا بنهزر)) حتي الهزار يصبح تافهاً عندما يكون علي خلق الله والضحك يكون مثل ضحكة البقرة المرسومة علي علبة الجبنة.. ضحكة ماسخه لا تدل علي شئ إلا علي إن الذي يضحك مجرد سكير سكرته مشاق الحياة!

تنظر عليك فقط حينما تتأكد أنك سكنت سكون لا يوجد بعده حديث, ولكنها  تغير النظرة إلي نظرة إشفاق حينما تري إن سكونك  يشبه سكون الأموات  حينها يطلب منك أن تتحدث حديثاً ليس بحديثاً بل نقول- تهمهم - ببعض الكلمات لكي يتأكد أنك مازالت علي قيد الحياة!

فتستجيب علي مضض وتتفوه ببعض الكلمات فاقده ومفتقرة لكي شئ جافه.. خالية من أي عمق من أي أشراق ..فهي مجرد شبح لكلمات, تحاول سحبها بحبلاً غليظاً من قلبك ومن روحك فتشعر بثقلها وترتطم في جوفك,  تشعر معها بأن أعضاء جسدك كادت تهرس من قوة ماتخرجه من جوفك, وحينما تنجح في أخراج الكلمات والتفوه بها, تشعر بمدي طعمها المالح فتدرج حينها أنها تحولت إلي حجراً مالحاً و تريد ان تلقي بها بعيداً لعل أحداً بدل من أن يصدها يمسكها بكلاتا يديه وينظر إليها محاولاً البحث بتحريكها بكفيه عن قيمتها ويفهم معانيها التي ضاعت ويضعها في جعبته  لعله يعثر علي مغزاها!

فحينما تتحول الكلمات إلي حجراً .. حينها تدرك أنك الكلمات الحقيقية مازالت متشبثة بكيانك.. عالقة بقلبك وأن ما خرج منك تواً ليس بكلمات وإنما ريم الألم..ريم طفا علي سطح الكلمات وقرر أن يلفظه بالخارج لكي تحتفظ الكلمات بنقائها!

11 أبريل 2012

أبي!


مع دقات الساعة الثانية عشر صباحاً, ومع بداية عام 2012, فتحت الطفلة ( نور) نافذة  حجرتها, ورفعت أيديها الصغيرتين إلى السماء, وأغمضت عينها, وظلت تكلم الله وتدعوه بصوتاً هامس فتقول:
يارب ..أنا بحب أبى جداً, ووحشنى جداً, ممكن يارب أطلب طلب, ممكن تقول له أن نور نجحت في الصف الثاني الأبتدائى..شكراً يارب!

ثم جريت إلى مكتبها سريعاً, وفتحت درجها وأخرجت كرسة الرسم , وألوانها  ثم جريت إلى سريرها, ورفعت مخدتها لكي تأخذ صورة أبيها ثم أطفأت نور حجرتها, وأنارت أباجورتها, ثم جلست, أمسكت قلمها الرصاص وبدأت ترسم عيناه وتقول بصوتاً هامس:
عيون أبى أحن عيون بهذا العالم, عندما أنظر لهما أشعر بالأمان..

 ثم رسمت دموع تتساقط من عيناه,  ثم رسمت أنفه, فابتسمت وقالت:
عندما كنت أختبئ لكي أفاجأك, كنت تقول: نور, أعرف أنك هنا, من رائحتك الجميلة..
ثم وضعت أيديها على خدها ورسمت الشفتين مبتسمتين بهما  مسحة حزن وقالت:
دائماً كنت تشجعني على موهبة الرسم, وتقول لي بأنني سوف أصبح في يوم من الأيام رسامة كبيرة!

ثم رسمت الأذنين وقالت:
لم تعاملني كطفلة لا تفهم قط, كنت تعاملني أنني إنسانة, فعندما كنت أبكى في حجرتي في الليل, كنت تسمع صوت تنهداتي فأجدك في حجرتي تضمني إلى حضنك الدافئ وتقول لي: دموعك لا تنهمر إلا على شيئاً غالى!

وضعت قلمها الرصاص, ثم لونت  أطراف الصفحة بالون الأسود فتدخل لون شعر أبيها مع اللون, ثم لونت وجه أبيها باللون الأبيض, ثم شفتيه باللون الأحمر, ثم كتبت على وجه (أبى بطل) وبعد أن انتهت بدأت تتحسس الصورة بكلتا يديها الصغيرتين, وعينها ملأتها الدموع, وبدأت تبكى بكاء صوته كصوت الرعد, وتقول:
قتلوك المجرمين قتلوك!

فأسرعت أمها وقالت وهى ترتعد:
نور..ماذا بكى حبيبتي؟
فلم ترد نور, فلمحت الأم الصورة التي رسمتها نور لأبيها, فأمسكت بها وقالت:
ما أجمل رسمك يا نور! موهبة مثل أبيك, كان يرسم بإحساسه ..ولكن لماذا الدموع ؟ ولماذا أنت ملونة الصفحة باللون الأسود والأبيض والأحمر؟!

نظرت إلى أمها وقالت:
أبى بيبكى على أن العدل لم يحدث في مصر إلى الآن منذ أن مات في أحداث يناير2011, أما الألوان فهذه ألوان علم مصر وأبى هو النسر الذي في العلم, لأنه ضحى بروحه من أجل مصر!

بكيت الأم وحضنت الصورة وحضنت أبنتها وقالت:
أبيك بطل!

no copy

no