عطر الأحباب

لكل كاتب عطره الخاص، نستنشقه من خلال كتاباته، فتعبر كلماته إلى قلوبنا، فندمن هذا العطر، أنه عطر الأحباب!

27 يناير 2012

روح الأحلام






انتهت (نور) تواً من أعمال المنزل, ودخلت الحمام لكي تأخذ دشً وتنزل كل ما علق بها من أعباء اليوم من طبخ وكي وتنظيف, ففتحت الدش ودعته ينساب عليها وأغمضت عيناها وأوقفت عقلها عن التفكير, دعوة منها لجسدها للاسترخاء, وما أن انتهت ذهبت إلي المطبخ لكي تعد كوباً من القهوة الساخنة فهي تعشق القهوة, فهي مصدراَ من مصادر سعادتها وأيضاً إلهامها, أحضرت الكنكة ووضعت اللبن لكي يسخن, ثم أحضرت كوبها الأحمر الخاص بها, فهي لا تحب أن تشرب في غيره فهي تتعلق بحب الأشياء لدرجة كبيرة, ووضعت به السكر والقهوة و ظلت تذوب القهوة والسكر معاً وظلت تفكر في الرواية التي بدأتها وكيف سوف تتصارع أحداثها؟! فابتسمت وقالت محدثتاً نفسها:
-          دايماً أفكر في الحاجة قبل ما أكتبها مليون مرة, ووقت ما أيدي تمسك القلم أكتب حاجة تانية خالص.
قطع حديثها لنفسها صوت غليان اللبن, فأسرعت وأطفأته قبل أن يفور, ثم سكبته في كوبها وأمسكته بكلاتا يديها لكي تدفئ, ثم ذهبت إلي حجرتها, وجلست علي مكتبها  بجسدها الضئيل وكأن المكتب احتضنها, فهي تشعر أنه مكان أنسها ودفئ قلبها.
رشفت رشفة من القهوة ثم لفت بالكرسي وعينها معلقتين بسقف الحجرة وكأنها تناجيه لكي يلهمها بأفكار لتكملة روايتها, ثم جذب أفكارها فاجأتناً صوت نقر الأمطار علي شباكها, فلم تقطع أفكارها بل بالعكس أسرعت لكي تفتح الشباك فمنظر المطر ورائحة الطين المبللة والشوارع وهي ممتلئة بالأمطار ومنظر الناس وهم يسرعون لكي لا تبللهم الأمطار, والهدوء الذي يملأ الشوارع, كل هذا جعل أفكارها تغزو عقلها وتمسك بقلمها وورقتها, وما أن استشفت عبيره; الأفكار بدأت تنهل عليها مثلما ينهل المطر علي الطين, وما أن توقف المطر, توقفت عن الكتابة ثم قالت:
-          ليه وقفتي؟! يا مصدر من مصادر ألهمي..

ثم أغلقت الشباك ودخلت وعينها وقعت علي مجموعة قصصية لكاتبها بل تعتبره معلمها وأبيها الروحي بل والحقيقي, فهي اتحرمت منذ الطفولة من حنان الأب, لم يعرف قلبها إحساس الأبوة إلا مع كاتبها, تحركت يدها بنعومة إلى الكتاب وكأن بنت وجدت أبوها بعد فترة من الزمن واشتقت أن تحضنه, وما أن وصلت يديها إليه جذبت الكتاب سريعاً, ثم تحسست صورته التي كانت غلاف كتابه ثم فتحته وقرأت جزء منه, فبكيت وسرعان ما أغلقت الكتاب أحضنته وقالت وصوتها يرتعش:
-          ياريتك كنت عايش لحد دلوقتي..كنت هتعلم منك  كتير..اللي مصبرني هو كتبك.. كل ما أقراها بحس أن طيفك حوليا..أنا متأكده أنك لو كنت عايش لحد دلوقتي كنت هتشجعني..كتاب زمان كانوا بيقدروا الموهوبين مش زي دوقتي ما بيقروش ولا بيشجعوا الموهوبين..
ثم قطع صوتها صوت جرس موبايلها فنظرت إليه فوجدتها والدته فرديت عليها قائلة:
-          آلو..
-          بتعملي أيه؟
-          بكتب روايتي..
-          سيبك من الكتابة شوية.. في مسلسل حلو أوي..
-          ماما..بكتب
-          ده البطله أموره خالص و...
لم تسمع تكملة كلام والدتها فعقلها الباطن جذبها بسرعة تفوق سرعة القطر 20 سنه للوراء, وهي طفلة جالسة علي علي مكتبها الصغير وممسكه بقلمها وكراستها وتكتب قصة مفعمة بإحساس الطفولة, النقية, الحقيقية, فالكتابة حلمها وخيالها التي بتهرب به من طفولتها المعذبة, تشعر وهي تكتب كأن روحها أصبحت في عالم تاني, عالم لا يوجد به مشاكل وعذاب..دائماً كانت تري أن عالم الكتابة هو عالم طفولتها..
 وبعد أن انتهت من قصتها ابتسمت وجريت في جميع أرجاء المنزل باحثتاً عن ولدتها لكي تقرأها, فنادت :
-          ماما..أنتي فين؟!
-          في المطبخ..
-          أنا كتبت قصة..ممكن أقر هلك..
-          أقري ..
قالتها وهي تقشر البطاطس, فطلعت بركبتيها الصغيرتين علي كرسي الآمال فلقد كانت سعيدة إن والدتها سوف تسمعها, وأمسكت الورقة وبدأت تقرأ وتهز رأسها من فرحتها, ثم رفعت بصرها لكي تري ملامح وجه والدتها فوجدتها لم تتأثر ولم تسمع لحرفاً واحداً, فنظرت إلي ورقتها مرة أخري وعيونها ترقرقت بالدموع, ثم نزلت من علي الكرسي وقبل أن تخرج من المطبخ نظرت إلي أمها مرة أخري وجدتها تضع البطاطس في الحلة ولم تلاحظ أنها توقفت عن القراءة, فجريت إلي حجرتها وارتمت بجسدها الضئيل إلى سريرها ودفنت رأسها في مخدتها, وأخذت تبكي, وشعرت كأن السرير حضنها وقماشه يمتص دموعها ويجففهما..
وصوت والدتها  نزعها في لحظة من طفولتها وقالت:
-         نور أنتي معيه؟!
-          ايوا يماما..مضطر اقفل دلوقتي..سلام
-          سلام
وماأن أغلقت تليفونها جريت علي السرير كما فعلت وهي صغيرة وبكيت وظلت تصرخ وتقول بصوت يملأها الكرب:
-          ليه أهالينا بيموتوا فينا حلمنا! ليه بيموتوا فينا موهبتنا! ليه مش مؤمنين بينا! أمال أيه الفرق بينا وبين الحيوان! ربنا كرم الإنسان وخلقه بيحلم وبيفكر وبيتخيل..
ثم جريت وفتحت شباك حجرتها ونظرت إلي السماء بنظرة مليئة بالحزن والأمل في الله وقالت:
-          يارب..نجحني, يارب أنت اللي عالم أد أيه أنا نفسي أنجح! اهلي مش مؤمنين بيه, مش مقدرين قيمتي, دايماً اتكلم عن حلمي يضحكوا ويقولولي سيبك من تمئيأت العين واتفرجي علي التلفزيون..
وقطع كلامها يد زوجها وهو يطبطب عليها ويقول لها:
-          أنا مؤمن بيكي ومتأكد أني هتنجحي..وعشان تصدقي أني مؤمن بيكي, جبتلك هدية..
فألتفت بهدوء ودموعها تنهمر من عيونها وكأنها تبكي علي سنين ضاعت من عمرها لم تنمي فيها موهبتها ثم قالت:
-          يا حبيبي..أنا لولك عمري ما كنت رجعت لموهبتي تاني..
ثم نظرت إلي يديه وجدته ممسكاً بكتاب أديبها المفضل, ففتحت عينيها علي أخرها وكأن عينها تريد أن تملأ نفسها بصورته وبأسم كتابه, فمسحت عيونها لكي تتأكد, وابتسمت وخطفت الكتاب وأخذت تقلبه بين كفيها وقالت والفرح تملأ قلبها وعيونها تتضحك:
-          ألف شكرا ليك يا حبيبي..أنا سعيده جداً! مهما وصفتلك عن فرحتي مش هعرف أقول..
-          أنا عارف فرحتك أزاي! لأنك بتعتبريه معلمك وأبوكي الروحي وأول إنسان حط جوا قلبك بصمة ..بس عاوز أقولك علي حاجة, لازم تحافظي علي روح أحلامك..

فنظرت إليه بكل استغراب ثم قالت:
-          هي الأحلام ليها روح؟!
-          طبعاً, الأحلام هي روح عايشه جواكي..كل ما أهتمي بيها وسعيتي لتحقيقها هتفضل عايشه..وكل ماأهملتيها واستسلمتِ للسلبيات ساعتها هتكوني سمحتي أنك تقتلي روحك بنفسك..لازمي تعرفي انك حره: حره في تفكيرك, في أحلامك, في خيالك مادام ما بيتعارضش مع الأخلاق والقيم..
شعرت (نور) بعد أن سمعت كلام زوجها بأنها تحررت من كلام والدتها فا ابتسمت ثم نظرت إلي الكتاب وضمته إلي حضنها وشعرت  أن روح معلمها اخترقت روح أحلامها وكأن هو أيضاً يطلب منها التحرر من قيود الناس من أجل بقاء روح أحلامها علي قيد الحياة, فهي بدون أحلامها سوف تكون إنسانة ميتة مجرده من أوكسجين الحياة وقامت سريعا وكأن روح معًلمها أنعشت روح أحلامها وأخذت تلف وتضحك وظلت تقول:
-          روح أحلامي مش هسمح لحد يموتها لأني حره..حره أحلم.. حره أتخيل..حره أفكر..لأني إنسانه..مش حيوانة.








20 يناير 2012

أريد ان أجري

أريد أن أجري


أشعر أنني أريد أن يتقلص حجمي وأعود صغيرة في السن لكي أستطيع أن أجري, فعندما تجري المرأة في الشارع الناس يظلون ينظرون لها نظرات لأما استحقار, أو من باب الفرجة, أو الضحك, ولذلك أريد أن أكون صغيرة لأن سيكون الأمر حينها أمراً عادياً, فجميع الأطفال يلعبون ويجرون فهذه هي حياتهم.

أريد أن أجري بكل قوة وسرعة مثلما يجري الحصان, لا أرى أمامي أحداً إلا السماء بلونها الصافي والتي ليس لها حدود ولا اتساع فحينما أنظر إليها أشعر بالحرية والأمل, وشمسها تتخلل جسدي في اقتحام أسعد بيه, وأشعة تجعلني أضم جبهتي أعلاناً مني لها بشدة وقسوة حرارتها علي, ولكنني سرعان ما أبسط جبهتي وأضحك, ورمال دافئة أجري عليها بقدمي, فا تنغرس قدمي بداخلها مستمتعة بحبيباتها التي تدغدغ باطن قدمي, ومن كثرة سرعتي جسدي يصافح الهواء بكل قوة وكأنه حبيب أشتاق لحبيبته, فأروي عطش جسدي من كل نسمة هواء, وأزيد أكثر من سرعتي أكثر وأكثر لدرجة أننى ألهث, فتزيد سرعة دقات قلبي, وعندها سوف يطرد كل ما بداخله من آلا لام من أقرب الناس لي أنهم لا يشعرون بقيمتي, وأسرع من جري مرة أخري فيلفظ قلبي كل ما يسد شرايينه من ضيق وهم وغم ويسمح بمرور السعادة والفرح, وحينما يستعيد قلبي كل ما يفرحه, سوف يعطي لعقلي أشارة أنني سعيدة, فتتفتح خلايا عقلي وتضئ وتتصارع أفكاري مرة أخرى, وتعود معها كلماتي الهاربة مني, ويداي التي كانت تكتب على الكيبورد بكل سرعة لكي تلحق أن تكتب كل ما يجول في ذهني خوفاً من أن تضيع.

وبعد أن أشعر بالفعل أن قلبي أتحرر, وأشعر بخفة جسدي  بأنه في خفة الفراشة, وروحي أصبحت تحلق في السماء, سوف أتوقف عن الجري بكل بطئ لكي لا أفقد الحرارة التي اكتسبتها والتي فقدت معها كل ما يحزن قلبي, ثم أخذ نفساً عميقاُ وأنحني لكي أمسك ركبتي فسوف أشعر أنها تؤلمني لأنني لم أجرى منذ فترة كبيرة, ثم أجلس علي رمل ثم أخذ نفساً عميقاُ مرة أخرى لكي أملئ رئتي من الهواء وخاصة بعد أن لفظت كل ما يؤرقني وأغمض عيناي واسلم وجهي وجسدي لنسيم البحر لكي يلطف جسدي فأشعر بالانتعاش, ثم أرتمي بجسدي مثل الطفلة علي الرمال الدافئة, ثم أفتح عيناي, وانظر إلى السماء, وتتبع عيناي السحاب وهو يحركه الهواء في بطئ فأنا أعشق أن أنظر إلى السحاب حيث أشعر أنني أود النوم عليه ويحلق بي في السماء وأبعد عن هذه الأرض, ثم ابتسم وأقول بحبك يا لله, أشكرك علي كل نعمة أنعمت بها علي, الحمد الله علي نعمة الزوج الصالح الذي يدعمني مثل دعامة القلب, فبدعمه سمح أن الحب والأمل والشعور بقيمتي وثقتي بنفسي يمران إلى قلبي مرة أخري, بعد أن اتسدت شرايين قلبي وأنا صغيرة, أتسدوا من هدم الموهبة وزعزعت الثقة ومرارة الطفولة.

 فبفضله بعدك يا الله جعلني أن أشعر بهذا الشعور أنني أجري, أجري إلى الأمام ولا أنظر خلفي, لا أنظر إلى الماضي, لا أنظر إلى من يحبطني, أنظر فقط إلى ما بداخلي من أحلام, لأنني مميزة ومبدعة كما يقول لي دائماً, وأنني كلما خدمت نفسي في موهبتي سوف أصبح بجودة عالية.

 أشكرك علي كل شئ زوجي, وأتمني أن تجري معي يوماً, ففي الجري شعور بالحرية والانطلاق والانتعاش والقوة والأمل والسعادة.

15 يناير 2012

الــــــذوق


 الــــــذوق



الذوق: يتمثل في الإنسان الراقي بفكره وأفعاله والمتحكم في هذا هو أخلاقه, فالإنسان الذي يمتلك (الذوق) لا يحتاج أن يتعلم الأخلاق,  فالذوق مزيج من الاحترام والأخلاق وتذوق الجمال, وهو شيئاً مكتسب من  التربية منذ الصغر, فالذوق مثل الوردة فتنبت من داخل الإنسان أولاً ثم  ينمو مع من حوله ثم  تفوح مع وطنه.

فذوق الإنسان ينبت من الأشياء التي يتذوقها من قراءة الكتب القيمة التي عندما  يقرأها يشعر بأنه ارتقي أكثر بفكره وليست مجرد كتب التسلية التي تقرأ والإنسان يأكل الفشار, واستماع  الموسيقية الراقية التي عندما يسمعها يشعر بأن روحه من سعادتها تحلق به في السماء, وليست الهابطة التي تهبط به إلى سابع أرض, الملابس الملائمة التي عندما يرتديها  يبدو في مظهرا منمقاً وليست مجرد تقليد أعمى للغير فيبدو مثل الأرجوز.

ثم تنمو مع من حوله من الناس, فيشكر كل من يقدم له خدمة أو هدية حتى ولو كانت بسيطة, فهي كلمة سهلة في نطقها ولكنها كبيرة في معناها وأشد قوة في تأثيرها على متلقيها, فعندما تشكر إنساناً كأنك ألبسته تاجاً من الورد تكريماً له, ويقدم المساعدة لكل إنسان يحتاج إليها وليس شرطاً أن يطلبها, بل الذوق يكمن هنا في أن يتذوق ويشعر بمن حوله لأن في ناس تخجل أن تطلب المساعدة, وأن يقدر الناس حق قدرهم أنهم بشر وليس اعتماداً على مناصبهم, فقرهم أو غناهم, وعدم تتبع عيوب الناس والإمساك لهم على الهفوة لأن كل بني آدم خطاء فيجب  ألتماس الأعذار, ورحمة بكل كائن خلقه الله لأنه روح, عدم مقاطعة الآخرين والاستماع إليهم جيداُ, أن ينطق لسان الإنسان بكل ما هو راقي وجميل ومحترم وليست النطق بكلمات هي أشبه بالموس الذي يقطع قلوب الناس,  والابتسامة هي مثل الختم الذي يختم على قلوب الناس بالفرحة, احترام  كل شيئاً في الدنيا, احترام من يكبرنا! وأيضاً من يصغرنا! فالأطفال نحترم فكرهم, واحترام خصوصيات الغير, فألا يتدخل في شئون الآخرين من حملت ومن عقراً ؟! ومن تزوجت ومن عانساً؟! الاستئذان ومراعاة المواقيت الواجب الاتصال فيها, والزيارة أيضاً فالناس ليس مهيئين في أي وقت للاستماع إلى أحاديث أو الزيارة, مراعاة شعور الآخرين مشاركتهم في أفراحهم وأحزانهم, فيبتسم أذا كان مدعو لفرح ويحزن أذا كان يعزى وليس الضحك والثرثرة في المأتم!

ثم يفوح مع وطنه من احترام كل قواعد تضعها الدولة, من قوانين المرور, وعدم ألقاء المهملات في الشارع, بناء العمارات بـأشكال وألوان كلها جمال, فمن ينظر إليها يشعر براحة, وبهجة في النفس, وليست مجرد ألوان ملطخة, وليس فقط في ذلك, أي عمل يعمله الإنسان يتذوق فيه الإبداع والجمال, كذلك في الصناعة مثلاً صناعة الملابس وتفصيل ما يناسب ذوق المصريين واحترام أن معظمهم محجبات.
فالذوق مثل الوردة التي تفوح عبيرها من الأخلاق والاحترام والجمال, فبدون هذا يصبح الإنسان مثل الوردة ولكن بدون عبير لأنه بيكون فقد احترامه لنفسه وبالتالي احترامه للآخرين وفقد أخلاقه وحينها يصبح إنسان بلا ذوق.
4
فكل إنسان فينا يسقى الوردة التي بداخله لكي يبهر دائما نفسه ومن حوله ووطنه بذوقه.

7 يناير 2012

ماذا يعني لك (الوطن) ؟!



في صباح ..يوم الخميس

كعادتي أشاهد (برنامج خواطر7) لأحمد الشقيري, على قناة( mbc1), فأنني أحب أن أتابعه لأنه إنسان مثقف, وإيجابي, ومتفاعل مع المجتمع, ويظهر السلبيات لكي يوجد لها إيجابيات في شكل حلول, وبالفعل فاليوم انذهلت حينما رأيت وطني ( مصر) على الشاشة, فالانذهال فيما رأيت!, فلقد رأيت حي يسمى ( الهجانة): حي عشوائي, واحد من بين آلا لاف بل ملايين العشوائيات التي  تنتشر في مصر, بل وتتزايد مثل مرض الطاعون الذي عندما ينتشر بين الأفراد يؤدى إلى الموت حتماً, وبما رأيته اليوم بالفعل هؤلاء الناس استطاعوا أن يصمدوا أمام مثل هذا المرض المميت المسمى بـ ( العشوائيات), أشعر أن سوف تعجز كلماتي عن وصف ما رأيت, لأن ما رأيته أكبر وأبشع من أن يوصف في بعض كلمات في مقال.
رأيت أسرة تتألف من ( 15 فرداً) يعيشون في شقة مساحتها (75 متر مربع), من صالة وحجرتين وحمام, والمطبخ جزء من حجرة, فالشقة شكلها مزدرية من الداخل, فالحجرات مغلقة ولا يوجد بها منافذ, لدرجة أن أحد أبناء هذه الأسرة, لديها حساسية لأن لا يوجد هواء أو شمس تدخل, وبوتاجاز في أحدى الحجرات, وبهذه الحجرات مواد بلاستكية قابلة للاشتعال في أي وقت, والحمام لا يوجد به أي معالم تدل على أنه حمام من قبح منظره, والذباب يملأ المكان, والفرش مقطع وقديم.

سؤالى الآن: هل هذا هو (الوطن)؟!

عندما تسكن الناس في وطن: أقصد (منزلهم), وهو ليس بمنزلاً, بل أشبه بًـ (المقبرة), عندما يكون(المنزل) شئ لا يليق بآدمية البشر! عندما يكون هو أهانه لهم, وليس تكريماً لهم, نعم, قمة الأهانة, عندما لا يستطيع الإنسان أن يفتح النافذة صباحاً لكي يرى نور الله, وينظر إلى السماء ويقول (يارب أسترها على ولادى), عندما لا يستطيع أن يستنشق الهواء, عندما لا تستطيع الطفلة الصغيرة أن تلعب على ضوء الشمس وتجرى وراء ظلها, عندما ينام أكثر من شخص في حجرة واحدة بعضهم على السرير والآخرين على الأرض, حجرة ليس بها خصوصية, أو ينعم بهدوء أو تفكير أو أي شئ من الأشياء التي يحتاجها الإنسان, عندما يطبخون الطعام على (بوتاجاز) صدأ, في داخل غرفة مليئة بالأدوات البلاستيكية ومواد أخرى قابلة للاشتعال, ففي أي لحظة ممكن أن تشتعل وتحرقهم جميعاً, وحمام عفن.
أي ( وطن) هذا الذي ندفن فيه ونحن أحياء! فعند الموت يكرم الإنسان بدفنه, أما في الدنيا فأهانه الإنسان هو دفنه  في مثل هذا ( المنزل) الذي يخلو من أي علامات أنه مكان يكرم فيه الإنسان.

ما أحزنى !

ففي نفس الحلقة عرض(أحمد الشقيرى), بلاد أوربية منها ( أوسلو) , أنه عندما سأل أحدى الأشخاص , ما هي أسوء المناطق حالاً؟ فذهب به الرجل إلى  (منطقة) مبنى بها عمارات شاهقة, ومطلية باألوان مبهجة, وشوارعها واسعة..
 فقال له : دى أسوء حالاً! يعنى مفيش بيوت صفيح ولا بيوت مبنية من الطين
فرد عليه قائلاً: لا, هى أسوء حظاً لأنها لا تطل على بحر!
وفى (النرويج), قابل (أحمد الشقيرى)( مستر مورين) مهنته ( نجار), ولكن ليس مثل النجارين عندنا, ففي البلاد الأوربية تحترم المهن الحرفية عنا, وتنظر إليهم بعين الاحترام, هذا النجار يمتلك منزل من طابقين و3 غرف ومطبخ وحمام به (جاكوزى), وعندما سأله ( أحمد) هل هذا المنزل تمتلكه؟! أجابه: نعم.
ما أحزني فعلاً! أن (الغرب) يتوفر لهم حقوقهم من مسكن آدمي أؤكد آدمي, وعمل, ومأكل, أن الإنسان له قيمة في الغرب, وأن الإنسان في وطني, مهان, وإن معظم المسلمين لا يتكاتفون لإعانة بعضهم, ينامون وجارهم جائع, يضحكون والأيتام يبكون, يصممون أحدث الفيلات, وغيرهم يسكن العشوائيات.
ما أحزني أيضاً! أن (وطني) مصر, لايوجد من  المسئولين, من ينظر إلى هؤلاء بعين الرحمة, بعين أن هذا من حقهم وليس من طموحهم, مثلما قال( أحمد الشقيرى) في الحلقة:
 سأل حكيماً رجلاً: ما هي طموحاتك؟
رد قائلاً: أنى ألاقى شغل, وأتزوج, وبيت و..
فقال الحكيم: أنا بسألك عن طموحاتك, مش حقوقك!
ولكن وفيما العجب! لقد أهدرت دماءنا كما تهدر دماء الطيور عند الذبح, ولكن الفرق أن الله حلل ذبح الطيور, وحرم قتل النفس, فأى وطن مثل هذا يجد الإنسان فيه الحقوق!
يظهر علينا (الزنجورى) بوعود ووعود, نفس فكر(دِيمَاغُوجِيَا) أنك تضغط على عاطفة الشعب وما يشتاقون له, لكي ينسقون إليك, وفى النهاية ماهو إلا كذبة نعيش فيها, بل على أصح وهماً كبير, من الوعود من استصلاح الأراضي وارتفاع الأجور, وأكبر دليل على كذب هذه الوعود, بأن حقوق الإنسان المصري من مسكن وملبس ومأكل ومشرب وعمل , صفر على الشمال, ثم يطالبوننا بأننا نسير عجلة الإنتاج, أنهى عجلة إنتاج سوف يديرها أفراد لا يجدون ثمن اللقمة الحاف.
صدق (أحمد الشقيرى)  عندما قال: كيف يستطيع الإنسان أن يبدع أو يفكر وهو مشغول بالبحث عن الأساسيات! وصدق أيضاً عندما قال: أن الناس تعتقد أن الطبيعي أن يوجد أحياء فقيرة, و هذا ليس بطبيعي.

ماأسعدنى!

ما أسعدني حقاً, هو أن ( جمعية خيرية) في السعودية, قامت بهدم هذا البيت, وقامت ببناءة  مرة أخرى, فأصبح البيت يتكون من دورين, مساحة الدور 72 م مربع, ويتكون الدور من صالة, و(3 حجرات) , بمتوسط 2 فرد في الغرفة, وكل دور به حمام ومطبخ مستقل, أي أنه  تحول من (مقبرة) إلى منزل آدمي.
والناس من فرحتهم ظل يبكون, يبكون لأنهم سوف يعيشون في (منزل) حقيقي, به حجرات مستقلة, سوف يستطيعون لأول مرة أن يكون لكل فرد فيهم خصوصيته, وبه منافذ للهواء فيستطيعون أن يتنفسون هواء الله وهم في منازلهم, في الحقيقة, أشعر أنهم سعداء لأن في ناس تتسم بالإنسانية أزاحوا عنهم الطين وانتشلوهم من دفنهم من تحت الأرض, فهم كانوا مثل (المدفونين بالحية)  في أرض هى ملكهم.

إذن الوطن يعنى!

الوطن المكان الذى تحفظ بها كرامتي, ويكون فيها معاشى.


شكر خاص!

في نهاية كلامي , أحب أن أوجه شكر خاص جداً,لأحمد الشقيرى, لأهتمامه بالعالم العربي ككل,  واهتمامه على وجه الخصوص بتوعية الناس وتثقيفهم وأيضاً مساعدتهم, ألف شكر ليك على كل شئ  بتفعله من أجل أرضاء الله.

3 يناير 2012

تعليق على(رواية عصفور من الشرق) ..للأديب توفيق الحكيم



رواية عصفور من الشرق (تعليق)

أولاً: أسم الرواية
(عصفور من الشرق) نشرت عام 1938, وترجمت ونشرت بالفرنسية عام 1946طبعة أولى, ونشر طبعة ثانية فى باريس, عام 1961.

ثانيا: كاتب القصة
(توفيق الحكيم):هذا الرابط للتعرف على السيرة الذاتية لتوفيق الحكيم:

ثالثاً: الشخصيات
(محسن): بطل الرواية
(أندريه): صديق البطل
(جرمين): زوجة أندرية
(جانو):أبنهما
(مارسيل): أخو أندرية
(جيزيل): أبنته
(الجد والجدة): والد والدة أندريه.
(سوزى):حبيبة محسن.
(أيفانوفتش):صديق محسن  روسي الجنسية.

رابعاً: مكان الحدث
تدور أحداث القصة في (باريس) عاصمة فرنسا.

خامساً:أحداث الرواية (نبذه) تتكون من (20 فصل)
تدور أحداث القصة حول (محسن) العاشق للفن والموسيقى وخاصة (بيتهوفن), محباً لقراءة الكتب, مرهف المشاعر, يعيش في عالم خاص به, وحيداً, ويقطن الخيال والتحليق بروحه للوصول إلى السماء, فهو يرى أن الخيال أجمل من الواقع!, والسماء أحلى من الأرض!, كان يعشق الروحانيات لارتباطها بالسماء والنفس البشرية, أحب حبيبته لفترة في صمت وكان يشعر بسعادة عندما كان يجلس على القهوة المجاورة  لعملها يراقبها وهى تقطع التذاكر في (الأود يون), ودائماً صديقة (أندريه) ما يسخر منه لأنه يعيش في (الخيال) حيث أنه يرى أن (الخيال) لا معنى له غير أنه وهم, وأن النساء لا يعترفون بالخيال وإنما يعترفون بالواقع, ودائماً كان ينصحه بأن يتوقف عن الخيال وأن يذهب ويشترى هدية من الهدايا التي تعشقها النساء, فباريس بنيت للنساء فهي مليئة بالعطور, والشنط, والملابس, ولأن (محسن) يعيش في خياله كان يرى أنها ليس من نساء الأرض, وأنها ملكة متوجه لا يوجد مثلها, كان يرى أن مثل هذه الهدايا لا تليق بها, فالأول مرة يتفرج على (حوانيت) العطور والملابس, حيث أنه دائماً كانت تجذبه (حوانيت الكتب), فأخذ يتفقد بعينه لمدة طويلة ولم يعجبه شيء وفى نهاية الأمر وجد أن شراء (ببغاء ناطق) من إحدى حوانيت الطيور, هدية رائعة لحبيبته, وبالفعل صعد الفندق, وظل طوال الليل يحفظ (الببغاء) كلمة واحدة وهى (أحبك) حتى يظل يرددها الببغاء, لأن من شدة حبه لها كان يخجل لسانه أن يخبرها بحبه, وأهداها (الببغاء) وصرح لها بحبه من خلال بعض كلمات الشعر في أحدى الكتب, ولكن تحول محسن فجأة من إنسان خيالي, محلق بروحه في السماء, شغوف بالقراءة, مستمتع مع وحدته, عندما قبلته (سوزى) حينها أرتطم بالأرض وسقط من السماء وطرد من جنة السماء الجميلة الذي لها قدسيتها إلى جنة الأرض وجنه الأرض مختلفة تماماً فهي ليست قبيحة أنما مثل التفاحة المليئة بالدود, أرتطم بالأرض لأنه كان يخيل له أن الحب له قدسية وأن سماح أحدى الطرفين بتقبيل الآخر هو انتهاك لهذه القدسية, وأن الحب أغلى وأجمل من أن يحدث فيه مثل هذه الأشياء, وأتصدم فى خياله أكثر عندما قال له (أندريه) عرفت أن حبيبتك مثل باقي النساء, وخيالك هو الذي صور لك أنه لا يوجد مثلها, وتطورت الأحداث بين (محسن وسوزى), وبالرغم من ذلك, فكان صديقه ( أيفانوفتش) روسي الجنسية كان يرى أن يجب على الإنسان أن يتخيل ويحلم لأنه ليس حيواناً, وأن الواقع لا يسع الحياة البشرية وإنما الخيال والسماء تسع كل البشرية, فصديقه هذا كان يعشق (الشرق) أكثر من (الغرب) ويرى أن الشرق أساس كل شيء, وان الغرب أخذ منه كل شيء, يرى الشرق حيث الأنبياء الذي جعلوا البشرية تشعر بأنهم إذا فقدوا السعادة  في الأرض سوف يسعدون في السماء, وأن الشرق اهتموا بالنفس البشرية والصفاء الروحي, وأن الشرق مصدر العلم, العلم الكامن في قيمته, وفى الشرق حيث صفاء المنابع والسماء, وأن رجال الدين يزهدون في الحياة لكي يعلمون الناس أن الحياة الأفضل في السماء, هكذا كان يرى صديقة الشرق بعيون حالمة, وكان يرى (الغرب) بعيون باكية, يرى أن عقيدة الغرب هي (الماركسية) التي تندد بالطلوع على أنقاض طبقة أخرى, وأن (مال لقيصر ليس لقيصر) وأن المحبة التي وصى عليها (المسيح) أصبحوا لا  يعملون بها وأصبحوا يعلمون الناس أنها حياة واحدة هي الأرض ولا يوجد غيرها, والإسلام في الغرب هو (الفاشية) أى التسلط لكي يقفزون ويوصلون على أكتاف الضعفاء, واهتموا بالصناعة والتطور على حساب النفس البشرية وصفاءها الروحي, وأخذوا العلم من الشرق وقسموا نصفه صنعوا منه حلى من الذهب لكي يتباهون به, والنص الآخر صنعت منه أغلال لكي تلف به عنق أمها وأبيها وهما (آسيا وأفريقيا).

سادساً: مقتطفات من الرواية
محسن :لقد كانت عمليات ظاهرها الرحمة, وباطنها الانتقام من شخص أرادوا إذلاله..فباسم الإنسانية يهاجمون أعداءهم ويحاكمونهم .. هذه طريقة الإنجليز التي يتقنونها.

دخل محسن الكنيسة, ولم يكن دخل كنيسة قط, ولا حضر صلاة ميت من أموات النصارى, ولا رأى ما يجرى فيها من المراسيم ولا ما يتبع من طقوس؛ فأحس برهبة, وخيل إليه أنه باجتيازه العتبة قد ترك الأرض, وارتقى إلى جو آخر, له عبيره, وله نوره!..هنا أيضاً عين الخشوع وعين الشعور, الذي كان يهز نفسه كلما دخل في القاهرة مسجد السيدة زينب!..هنا أيضاً عين السكون, وعين الظلام في الأركان, وعين النور الضئيل الهائم كالأرواح في جو المكان! ..إن بيت الله هو بيت الله في كل مكان وكل زمان!..

فتأملت العجوز قليلاً هذا القول منهما, ثم أجابت: صدقتما, لم يعد هنالك بيت واأسف ولم تعد هنالك أسرة..الرجل والمرأة فى المصنع طول النهار!..يا له من زمن عجيب!..

جيرمين: من غير شك, لا سبب عندي لفشل (محسن) غير أنه خيالي أكثر مما ينبغي؛ والمرأة لا تقنع بالخيال, بل بالحقيقة..

محسن: إنه يعلم أن المعتزلة اليوم قليل؛ ولكن يشعر بحب وتقدير لأولئك الذين لات طيب لهم السكنى إلا داخل أنفسهم؛ ذلك أن قليلا من الناس من يملك نفساً رحبة غنية يستطيع أن يعيش فيها, وأن يستغنى بها عن العالم الخارجى..

ايفانوفتش: إنبياء الشرق قد فهموا أن المساواة لا يمكن أن تقوم على هذه الأرض, وأنه ليس في مقدروهم تقسيم (مملكة الأرض), بين أغنياء والفقراء؛ فأدخلوا في القسمة (مملكة السماء), وجعلوا أساس التوزيع بين الناس (الأرض والسماء) معاً: فمن حرم الحظ في جنة الأرض, فحقه محفوظ في جنة السماءَ!..هذا الجميلَ!.. ولو استمرت هذه المبادئ, وبقيت هذه العقائد حتى اليوم, لما غلى العالم كله في هذا الأتون المضطرم, ولكن (الغرب) أراد هو أيضاً أن يكون له أنبياؤه(الذين يعالجون المشكلة على ضوء جديد) وكان هذا الضوء منبعثاً هذه المرة, من باطن الأرض, لا آتيا من أعالي السماء..

محسن: يامسيو إيفان!..إني لست سعيداً..ولعلك أيضاً كذلك! ..إن سر تعاستنا هو أننا نعيش في هذه الحجرات المغلقة..إننا نجهل الواقع وطرائقه المباشرة..لا شئ يكتسب بالخيال في هذه الحياة!..

ايفانوفتش: الواقع والطرق العملية المباشرة؟!..تلك بالضبط كل حياة الحيوان!..الفاصل الوحيد بين الإنسان والحيوان هو((الخيال))..إن اليوم الذي يستطيع فيه الحيوان أن يحيا دقيقة واحدة, خارج الواقع والمادة..اليوم الذي يلجأ فيه الحيوان إلى طرق معنوية غير مباشرة للوصول إلى غايته..اليوم الذي يستطيع فيه الحيوان أن يمضى الليل (يحلم) فى غابته المقمرة بدلا من مطاردة الفريسة؛ هذا اليوم يكون آخر عهده بالحيوانية..((الحلم)) هو العالم العلوي الذي لا يدخله الحيوان!..((الخيال))هو تاج السيادة والسمو الذي تميز به الإنسان..!


ايفانوفتش:آه !..((الخيال))..هو ليل  الحياة الجميل!..هو حصننا وملاذنا من قسوة النهار الطويل..إن عالم (الواقع) لا يكفى وحده  لحياة البشر!

ايفانوفتش:إن الغرب يستكشف الأرض, والشرق يستكشف السماء!..

محسن: إن الإيمان لا يصنع, فهو قد يكون عند الإنسان, وقد لا يكون, وحينما نفقده لا يعود ثانية, أو قد يعود على صورته الأولى.

محسن: إن المعدة لتنام عندما تستيقظ الروح!

محسن: آه لأولئك الخيالين, عندما يعطون فجأة ((الحقيقة))..نعم, فجأة؛ أي قبل أن يترك لهم زمن, يسبغون فيه على تلك (الحقيقة) أردية الخيال الموشاة!..إنهم يتلقون  جسماً غريباً ومادة عارية, لايعرفون ماذا يراد بها..إن (الحقيقة) عملة لا تجوز في مملكة ((الأحلام))..ٍ

 عاش ((محسن)) حياة ((الواقع))؛ يأكل ويشرب وينام فى ((الحقيقة)), ولم يفطن إلى كتبه المغلقة منذ تلك الليلة..

وتأمل ((محسن)) السماء طويلا من نافذة حجرته العالية, وقال متنهداً:

((آه!..أيتها السماء السابعة!..
إني أراك وأحادثك!..
هذا من الطابق الخامس!..
أما فاتنتي, التي كانت دانية منى..
فهي نائية..نائية الآن عنى!..
آه!..لو أنها كانت فقط
في السماء السابعة!؟..
لكنها ..في الطابق الرابع!!..

محسن: لقد أسرفت في الخيال, فجعلت منك كل جنتي, وعشت هذا الخيال, وليس من الهين على أن أعيش من فوري شئ آخر!

محسن: لا ينبغي أن نبنى شيئاً فوق هذه الأرض! هذه الأرض المتغيرة المتحركة برمالها ومائها وهوائها!..


سابعاً: رأى فى الرواية:
أسم الرواية(عصفور من الشرق) من وجهة نظري أنه لم يسمى فقط  لكي يعبر على أن ( محسن) مغترباً عن بلده (الشرق), وإنما ليعبر  أيضاً عن شخصيته, فهو مثل العصفور يعشق الطيران بأفكاره والتحليق بروحه فى السماء, والتعمق في الخيال, والتأمل في سكون , أكثر من السير على الأرض ومحاكاة الواقع, ومن هنا بدأ صراعه الداخلي بين الخيال والواقع, بين السماء والأرض, بين الصفاء النفسي الذي ينتج عن التحليق بالروح , وبين الأرض, فلقد أعجبني  أنه أوضح من خلال الرواية أن الإنسان لا يجب أن يصرف في الخيال لكي لا يصطدم بأرض الواقع, وأن لا يجب على الإنسان أن يتعلق بالأرض تعلقاً شديداً, فيجب التوازن بين الخيال والواقع, فلا يستطيع الإنسان أن يعيش واقعي فقط ولا خيالي فقط لأن في الحالتين سوف ترتطم رأسه عندما يكتشف الحقيقة, وأكثر تعبيراً أعجبني عندما وصفه صديقه ((أيفانوفتش)) :أن الواقع والطرق العملية المباشرة؟!..تلك بالضبط كل حياة الحيوان!..الفاصل الوحيد بين الإنسان والحيوان هو((الخيال)).., ولكن كانت مصيبة صديقه أيضاً هو أنه عاش داخل خياله أكثر من اللازم فكانت خياله متمثل في (الشرق) فتخيل أشياء كثيرة عن (الشرق) لم تعد موجودة, ولو كان عرفها قبل أن يموت, كان سوف يموت بالأزمة القلبية, وواقعه الذي يكرهه هو ((الغرب)).
ومن الأشياء التي أعجبتني  هو تصوير الصراع بين الشرق والغرب؟ وأن الشرق هو الأساس لكل شئ , ولكن ما أحزن هي الصدمة في نهاية الرواية, نجح (توفيق الحكيم ) أنه يجعلني أشعر أنني أريد البكاء, وصفع (بلاد الشرق) وأصرخ فيهم وأقول لهم:لماذا سمحنا للغرب أن يحقنون عقولنا بمواد سامة وأن يسحبون من أجسادنا كل شئ ذو قيمة؟! فالغرب لا يمتلكون القلب في أي شئ حتى الحب, أستطاع ((توفيق الحكيم)) أن يوصف بعمق الصراع في كل شئ  الأنبياء والصناعة والعلم  حتى الحب.

 ولقد أعجبني بشدة الخط الرئيسي للرواية وهو ((الخيال والواقع)) بين ((السماء والأرض)) بين((الشرق    والغرب)).

أعجبني أثارته نقطة هامة :  أي شئ عظيما  ذو قداسة الإنسان يفسدها, ويلبسها ثيابا مبتذلة, فلماذا يضعون في المساجد النجف والسجاجيد الفخمة؟!,  حتى الموسيقية جعلوا لها ملابس رسمية, فنسى الناس الأصل والجوهر, وأصبحوا يهتمون بالمظاهر, دون الإيمان والعبادات, والتفات إلى ثياب السهرة دون الموسيقية.

أعجبني وصفه لحالته بأنه ليس من الأغنياء من خلال ملابسه الذي كان لا يغيرها, وأنه عندما أراد أن يتشبه بالموسرين, وأن يحضر حفلة بالأوبرا وكان يستلزم ارتداء ملابس رسمية, أضطر أن يرتدى تحت ملابس الذي لا يمتلك غيرها, قميص منشى ذو أربطة من الخلف, وأن سلالم الأوبرا سوف تلعنه أنه صعد عليها من فقره.

أعجبني حبه للفن والموسيقية وحضوره الأوبرا والمسرحيات ,وحبه لبيتهوفن, فحبه له أنتقل إلى قلبى ونجح أن يجعلني أن أقرأ عن هذا الرجل العظيم, الذي أستطاع أن يؤلف السيمفونية 5 و9 هو أصم.

مالم يعجبني في الرواية, هو حب (محسن) لسيدة زينب, لدرجة أنه يراها أنها تتوسط بينه وبين الله, وعندما ينسها تعم عليه المشاكل, وعندما يتذكرها تأتى الأشياء المفرحة مرة أخرى, أنني أختلف معه لأن  لا يوجد وسيط بين الإنسان والله, ولا تتغير حياتنا لسوء أو لفرح اعتمادا على  إنسان مهما أن ذو قدسية.

في نهاية كلامي: شكرا خاص ((للأديب توفيق الحكيم))  فلقد نجحت أن تجعلني أرتفع بروحى إلى سماءك, وأطير كالعصفور لكي أتتبع كلماتك فاستشفت رحيقها من خلال عطرك المميز.

نصيحة: لا تشاهدون فيلم (عصفور من الشرق) لأنه لا يمط بصلة للراوية, وأجمل مافيه هو ظهور (توفيق الحكيم) فيه فقط, مفتقد لكل المعانى السامية والوصف والتصوير والمشاعر التي تعبر عنها الرواية.


no copy

no