عطر الأحباب

لكل كاتب عطره الخاص، نستنشقه من خلال كتاباته، فتعبر كلماته إلى قلوبنا، فندمن هذا العطر، أنه عطر الأحباب!

10 فبراير 2012

الحي أبقي من الميت..كذاب + تحديث



من أسبوع كنت أجلس علي كرسي مكتبي أمام نافذة حجرتي ونظرت إلي السماء لكي أتأمل فيها وجدتها صافية, حينها ابتسمت ودعوت الله بأنه يحقق أحلامي ثم فتحت المصحف لقراءة (سورة الكهف) كعادتي يوم الجمعة ولكن وأنا أقرأها كنت أشعر أن قلبي مقبوضاً, كنت أعرف لماذا أشعر بهذا الشعور! كان هو يوم موت كثير من المصريين في ( ماتش الأهلي والمصري) كان قلبي يعتصر ويسألني:  كيف يشعرون أهل الشهيد الآن؟! جاوبت قلبي وقولت له: مهما  حزنت لن أستطع أن أشعر.. بماذا يشعرون أهل الفقيد؟!

ضربات قلبي  زادت أكثر وكان يوجد شيئاً آخر يؤرقه, حماي كنت قلقة عليه.. فلقد كنت أحبه لأنه كان يحبني ويمزح معي دائماً, دائماً كان ينطق أسمي (نيللي) بكل قوة حماس وأنا أرد عليه قائلة: عمو حبيبي, وكان ينصحني بأني أؤكل خيار كثير لكي يكون السكر مضبوط عندي, بالرغم أني أعلم جيداً أن الخيار ليس له علاقة باعتدال السكر إلا أني كنت أشعر بالسعادة لأنه مهتم لأمري, وكان كثيراً ما يداعبني كان كل ما يراني يقول لي: وأعييييييط, لأنني بكيت مرة أمامه من مشكلة حصلت ومن وقتها وهو يمزح معي لكي أضحك..

تعب يوم الخميس فجأة ولا أعرف لماذا شعرت بأنه سوف يموت؟ وبالفعل وأنا أقرأ القرآن, سمعت تليفون زوجي يرن, قلبي أنقبض وأسرعت إلي الحجرة وكأنني أرفض أن أصدق أنني سوف أستمع الآن إلي خبر وفاة حماي وقد كان, بمجرد أن أغلق زوجي التليفون قال: بابا..مات..

تسقطت مثل ورقة الشجرة الذابلة علي السرير منهارة, شعرت بأنني أصحبت ذابلة فجأة من الحزن الذي غمرني فجأة, بالرغم أنني لم أعشر حماي كثيراً ولكنه إنسان بعزه و بحترمه وأحبه كثيراُ..

لم أكاد أن أفوق من صدمة وفاة حماي, إلي أن جاءتني الضربة الثانية وهي وفاة معلمي: إبراهيم الفقي, أتصل زوجي وأخبرني, تمنيت أن ما سمعته كابوساً ليس حقيقياً, عيوني انهمرت منها الدموع لا أعرف كيف نزلت ولم أستطع أن أوقفها! بكيت وبكيت وبكيت لدرجة أن صوت بكائي أصبح عالياً مثل بكاء الأطفال, كنت أكل وقتها أحضرت كمية كبيرة من الأكل وظلت أكل وأبكي, كنت أكل بالرغم أنني لا أريد أن أكل, ولكنني كنت أريد أن أخرج حزني في أي شئ, وكأن الأكل أمضغه لكي أطرد ألمي فيه, ألم بالفعل ما أشعر به الآن ألم,! لكنني لا أعرف أي جزء من جسدي يؤلمني, أعتقد ليس هو ما يؤلمني..أعتقد روحي تؤلمني, قلبي يرتعش, تدور بي الأرض..أبكي.أنظر لنفسي في المرأة أرفض أن أصدق وفاة معلمي..تذكرت! عندما أرسلت له أميل لمقابلته..وبالفعل حددوا لي موعد ولكنني لم أذهبت لغلو التذكرة..ندمت وقولت ياليتني قابلتك..ولكن حمدت الله علي كل حال وفجأة !جريت كالمجنونة أبحث عن ( الأي بود) وشغلت المحاضرة الوحيدة اللي حضرته له.

في هذا اليوم كنت سعيدة جداً لحضور محاضرته وارتديت أحلي ملابس عندي وأنا في طريقي حدث لي ولزوجي حادثة ولكن الحمد الله نجونا منها وحضرت المحاضرة, أول محاضرة كانت لأحمد عبد القدوس, ودكتور إبراهيم كان المحاضرة الثانية, انتظرته وظلت أنظر في الساعة لا أتوق الانتظار..فأنا أريد أن أراه, وأول ماشغلوا سيرته الذاتية علي الشاشات شعرت بأنه قرب سطوعه علي المسرح, وبالفعل دقائق وقد سطح مثل الشمس ألتفت سريعاً لكي أراه وجدته يخرج مسرعاً يرتدي بدلته البيضاء ووجنتيه حمراء وشعره الأبيض ينساب علي جبهته والابتسامة لا تفارق شفتيه لم أشعر أنه رجل يبلغ 62 عاماً, بل شعرت أنه شاب في 30 من عمره, روحه  الجميلة امتصت كل عوامل الزمن من إرهاق وتعب ومرض وجعلته في ريعان شبابه.

انبهرت به لدرجة أنني شعرت أن عيوني لا تستطيع أن تراه..كأنه شمس من قوة أضاءته تجعلني لا أري جيداً, وبروحه الجميلة جعل روحي تنسي ما حدث لي في الحادثة..أضحكني كثيراً جعلني أشعر بأنني لا أريد أن أخرج من هذا الكون..كون الإيجابية والروح النقية المتصالحة مع ربها ومع النفس ومع الناس ومع الكون.
ما أصعب أن يشعر الإنسان أنه لن يري من يحبه مرة أخري! ماأصعب الفقد! تنظر إلي كرسيه فتجده فارغاً..تنظر إلي عكازه فتجده يتيماً, تستمع إلي صوته فيضحكك بكلامه.. فتجد أنك تبكي!  تنظر إلي صورته تحسسه بروحك فترتسم علي شفتيك ابتسامة حزينة وتنزف عيونك بالدموع وتصاب ببركان من الألم لفراقه...فأنك لن تحتضنه..لن تنظر في عيونه..لن تستمع إلي صوته..لن تشعر بدفئ روحه..لن تراه مرة أخري.

أشعر بألم يجتاحني ! أكاد أشعر بطعمه في حلقي وفمي, فطعمه مر مثل مرارة القهوة, مرارة القهوة التي لا يستطيع  أي شئ أن يطغي علي مرارتها, وبالرغم من الألم! ألا أنني دائماً أحاول أن أتعلم من الذي يمر بي, وأحفره في قلبي لكي لا أنسي الدرس.. أتعلمت بأن أتقرب إلي الله أكثر وأكثر وأكثر..أتعلمت بأن لا أتضيق من أصدقائي حتى لو أخطئوا في حقي, لا أترك أمي وأجلس علي النت بالساعات وهي مشتاقة لي, أتعلمت أن لا أتضيق من زوجي علي أشياء صغيرة, أتعلمت بأن أحب نفسي أكثر ولا أتركها لعبة في يد الآخرين لكي لا يضيعون أحلامي.
أتعلمت من أن أقدر قيمة من هم حولي لأنهم أذا كانوا موجودين الآن من الممكن لن يكونوا موجودين غداً, فالموت لا يعطي خبراً ولا إنذاراً, فالموت علينا حق.
والذي قال: الحي أبقي من الميت ..كذاب, لأنه لا يوجد حي فجميعاً ميتون ولكن كل واحد له ميعاد, ولذلك لا يوجد أحداً أبقي من أحداً, والميت قيمته مثل الحي تماماً..فكيف نقول أن الحي أبقي! أبقي في أيه؟! فكلنا سوسيه.

وفي النهاية أريد أن أقول لأبي يوسف أدريس وحماي ومعلمي إبراهيم الفقي سوف أقرأ لكم القرآن وأدعو لكم في صلاتي بأن الله يرحمكم ويجعل مثواكم الجنة, و يارب تكون روحكم سمعه روحي, أقول لكم وروحي تبكي بحبكم من قلبي, يارب أشوفكم في الجنة.. يارب أشوفكم مرة أخري.


وإنا لله وإنا إليه راجعون..


تحديث صور جنازة دكتور إبراهيم الفقي






جميع الناس يحبوك ..وجاءوا جميعهم لكي يودعوك, وهذا أن دل ..دل علي أن الله يحبك.


رحمك الله معلمي ..أدعو وسأدعو لك دائماً وأبداً ولن أنساك معلمي.

1 فبراير 2012

ثمن الحرية!


وصلت إلي درجة أنني لا أستطيع أن أبتلع ريقي, أو حتي أخذ نفسي لكي أتكلم, فأي كلام أقوله لن يجدي في مثل هذا الموقف, وأي أحساس لن يغير من الحقيقة شيئاً, نعم الحقيقة! وماهي الحقيقة؟! الحقيقة أن السرطان أصاب خلايا المخ, وبدأ ينتشر في باقي أجزاء الجسد, يوهمونك أن وطنك لم يمسه المرض, بل كان مريضاً وأمتثل للشفاء تماماً, ولكن هيهات هيهات, فالمعالج للحالة محتالاً, ويكذب, ويتلون مثل الأفعى, ويخادع من أجل سرقة مال أكثر, و هو مسخر كالعبد لحماية الجهة المتسببة في إصابة الوطن بهذا المرض اللعين, فمحاصرة المرض في الطب معناه القضاء عليه, وإنما في وطنك ليس معناه أنه للقضاء عليه وإنما للمحافظة عليه لكي ينمو أكثر وينتشر وينتقم, ولا يهم في هذا الأمر أنت أم أنتي أم الشعب بأكمله, لا يهم حياتكم أو المحافظة عليها, لا يهم! تعرفون السبب! لأن الجسد رخيص أمام المعالج, رخيص لدرجة أنه  لايراه جسد من روح هي روح الله, بل يراه مجرد جلد علي عظم, شيئاً رخيص, وفاسد يجب التخلص منه بالقتل, بالتعذيب, بالسرقة, بالاختطاف, من أجل الشعور بالخوف الدائم, الخوف من اليوم والغد بل وأيضا الخوف من الأمس, نعم من الأمس! فالأمس وما حدث فيه شهر قتل وشهر راحة سوف يجعلك لا تهنئ ولا تنام وإذا نمت سوف تستيقظ علي ضيق ينتشر بين ضلوعك, فتضع يدك علي قلبك لكي تعرف ما سبب ضيقك؟! وفي سرعة تماثل سرعة البرق سوف تتذكر أنك في وطن من المفترض أنه وطنك, وتسمع فجأة صوت باب وطنك يطرق بشدة, فترتعد حواسك! فتسرع لكي تفتح الباب فتجد من يرمي بجثث أبناء وطنك, فتبكي وتجد فجأة وجهاً يبتسم لك ويقول:

-          أحنا متأسفين جداً علي اللي حصل والناس اللي ماتت, وبصراحة أحنا كنا بنعمل حاجات في الوزارة وكنا ناويين نرفعلكم المرتبات, بس أنتم بقي اللي عطلتونا, وكمان أتفضل عشان تدفع أنت كمان الحساب..
فتنظر إليه بكل استغراب وتقول:
-           حساب أيه؟!

فيطلقون عليك أنت أيضاُ الأعيرة النارية ويبصقون عليك ويقولون:

-          حساب حبس أسيادكم, كنتم فاكرين أنك هتنعموا بالحرية بلا تمن, التمن هو حياتك وحريتكم!

بالفعل كل إنسان مهدد في وطنه يدفع حريته أمام حبس الفاسدين, فهم طالبين من المعالج المحتال أن يأخذ بثأرهم, فهم لن يتركوا من جعلهم يتحبس مثل الكلاب الضالة, بل يمكن الكلاب أشرف لأنها وفية لأصحابها, فهم يشعرون بعدم راحة البال, فسوف يجعلونك أنت أيضاً تشعر بمثل ما يشعرون بتهديدك الدائم بأنك سوف تدفع الثمن!

ولكن سوف نري.. من سيدفع الثمن في النهاية؟!


أرجو منكم الدعاء لجميع شهدائنا الذين ماتوا فى أحداث مباراة الأهلي ببورسعيد, وأيضاً  المصابين, والشهداء فى جميع البلاد.



no copy

no