
كم
أشتاق إلي أن أجلس علي مكتبي الخشبي وكرسيه الجلد الأسود! وأحضر كراسة
ملونة تحمل في طياتها أوراق ملونة كألوان قوس قزح، وأحضر عطري الخاص
وأنثر رحيقه عليها، وأخرج أقلامي الواقفة دائماً في مقلمتي تنتظرني فهي لا
تمل ولا تكل من هذه الوقفة فهي رفيقة دربي، وأبدأ في (كتابة الرسائل) كما
كنت أفعل وأنا صغيرة، كم كانت جميلة هذه الرسائل التي أفكر وأظل أكتب فيها
يوماً بطوله وكلما أخطأت في كتابة الكلمات كنت أمزق الورقة وأبدأ في
كتاباتها من أول وجديد! لأني أرفض أن أقبح من جمال ما أشعر به!
وفي
هذه الرسائل كنت أجتهد بأن يكون خطي رشيقاً وممشوقاً وليس بديناً أنهكته
بدانته فيترنح يميناً ويساراً، كثيراً كانوا يقولوا لي في المدرسة أنني
كبرت ويجب أن أكتب بالرقعة ولكنني لم أعرف أن أكتب غير النسخ!
كم كانت هذه الرسائل تجعلني أنقب بقلبي عن إحاسيسي لكي أخرجها علي ورقتي الملونة!
وهذه
الرسائل تختلف عن رسائلنا اليوم وهي رسائل الموبايل والإيميل وكل ما شبه
ذلك في التكنولوجيا، فهذه الرسائل كانت تحمل عبق من الحب والعتاب والشوق
والحزن والفرح وأحياناً يرفق بها كارت معايدة في وجهه ملامح المدينة التي
تقطن فيها أو زهور أو أشكالاً أخرة جميلة و في ظهره كلمات حب بمثابة حضن يضمك لاشتياقه لك، وأحياناً مع الرسالة يرفق
مبلغاً من المال للمساعدة، أما رسائلنا اليوم أصبحت كالأرض الضحلا!
ولهذا
فكرت أن أعود لكتابة الرسائل، وهي مجموعة من الرسائل سوف أرسلها إلي مجموعة من الناس،
ناس أحبهم وناس أعاتبهم وناس اشتاق لهم، ورسائلي سوف أضعها بمظروف ورقي
وعليه طابع من مكتب البريد- هل مازال الطابع ب٢٥ قرشاً أم هو أيضاً أصابه
الغرور ورفع من ثمنه- وسأقف أمام الصندوقين الأحمر والأزرق وقبل أن ألقيه و
سوف أركز أيهما جوي والآخر محلي ثم ألقي بظرفي هذا بداخل الصندوق ولا أرحل إلي
أن أسمع واقع خطواته بداخل الصندوق!
ولكن
في الحقيقة احتمال لا تصل معظم هذه الرسائل إلي أصحابها، لأن سوف أرسله
بدون عنوان، فأنا في الحقيقة لا أعرف لهم عنواناً، فعنوانهم سلب من ذاكرتي
كما هم أيضاً سلبوه من حياتي بعضهم بإرادتهم بل بكامل إرادتهم لأنهم لم
يقيموه لعلاقتنا وزناً وقيمة بل طففوا الميزان وباعوها من أجل اللاشئ،
والبعض خارج عن إرادتهم لأن ببساطة الحياة هي من بعادت بيننا ورغم أننا في
نفس البلد لكن تقف بيننا عائق المسافات وتاه كل منا في أراضيه،
وبعضهم في حياتي بالفعل يقطنون فيها وأعرف عنواينهم ولذلك أعتقد أنهم سوف
يستلمون رسائلي!
كم أشتاق أن إلي كتابة رسالتي الأولي !
وكم أشتاق بأن أطويها وأضعها بداخل المظروف وأبلل طرفه بريقي ثم ألصقه وأضغط عليه بكل قوة مخافتاً أن يفتحه أحد أو يضيع!
واشتاق إلي أن يأتيني ( مرسال المراسيل) بشنطته الممتلئة بالرسائل من جميع بلاد العالم، ويناديني بأعلي صوته ويقول: ليكي جواب..
سوف أكتب كل (يوم خميس ) رسالة، رسائل محملة بالحب والعتاب والفرح والشجن والحنين والشوق ومشاعر كثيرة أخري لا توجد كلمات تصفها!
رسالتي الأولي..
علي ورقة ملونة (وردية اللون) منثور عليها عطر الفل..وقلم أحمر وأزرق للكتابة..
إلي حبيبي وزوجي/
تحية طيبة وبعد،،
أكتب لك وأنا استمع إلي أغنية محمد قنديل ( تلات سلامات) واحتسي كوب من
( النسكافيه الساخن) فأنت تعرفني لا أعرف أن أكتب بدون رفقاء دربي وهم
القهوة والموسيقي، كم هم ملهمين لي في الكتابة؟! وكأن كلماتي تأنس بهم وهي
تولد من رحم أفكاري!
دعني
أقول لك في بداية حديثي، أن رسالتي هذه ليست برسالة غرامية، فالرسالة
الغرامية تسجن الكلمات في قوالب ومنها ( حبيبي وحشتني.. حبي لك في حجم
السماء.. وماشبه ذلك، فحبي لك لا يوجد قوالب تسعه، فأن أجبرتها سوف تكسر
هذه القوالب حتماً!
وإنما رسلتي هذه لا تصنف ولا تضع تحت عنوان بل رسلتي هذه أغزلها من سكر روحي في جوف قلبي لتتذوق غزل بنات قلبي، فحبي لك له
مذاق ولون وعطر، فمذاقه مزيج من أطعمة مختلفة من الحب، ولونه هو كل لون
خلقه الله في الكون، فحياتنا مع بعض بيمر عليه كل الألوان ولكل لون حالة
تخصه ويميزه عن غيره من ألوان، وعطرك الذي يميزك ولا يذهب عنك مهما مرت
عليك الأيام، أتعلم أشعر بأن لكل كائن في الوجود عطره الخاص، لا.. لا أقصد
العطر الذي تشتريه من المحل وإنما أقصد العطر الذي يفوق رحيقه من ثنياك،
هكذا أنت استنشق عطرك وأشعر بوجودك من عطرك، فعندما أرتب ملابسك يفوح منه
عبيرك فتوئنسني في غيابك!
أحبك
في جميع حالاتك زوجي وصديقي وأبي وطفلي، فعندما تجلس وتشكو لي من العمل
الذي أصبحت تمقته والمرتب الذي يطير في لمح البصر بعيون وقر كاهلها الهموم وجعلتهما يبدو ناعستين تكون زوجي الذي أرهقته المسئولية في بلد
تسلب من مواطنيها عمرهم، وتكون أبي عندما تخاف عليه ليس بخوفاً عاديا بل
بنفس القوة ويمكن أكثر من خوف الأب علي أبنته، تعلم جيداً أن أبي لم يخاف
عليه مثلك، ولكنك عوضني عما افتقده مع أبي لا أنكر أن مازال دائرة أبي
فارغة وكانت تنتظره و لا يستطيع إحساس أن يحل محل إحساس لأن الله خلق بهذا
القلب الصغير إحاسيس كبيرة لكل إنسان في حياتنا حب مخصوص له، ولكن دعني
أعترف لك بإعتراف أنا أشعر في كثير من الأحيان أنك ( سوبر مان) كيف تستطيع
أن تفعل ذلك؟! وأنت في بئر الخطر تفكرفي وتداويني بيديك الحانيتين تطبطب
عليه وتراقبني لكي تطمئن عليه وأنت في نفس الوقت الحزن يقتحم أسوار قلبك
بدبات البشر التي تريد أن تقضي علي الأخضر واليابس، كيف تفعل ذلك ومن أين
تستمد طاقتك هذه؟!
في الحقيقة لا أعلم!
وأشعر
بأنك طفلي عندما تغار عليه، مثل الطفل الذي يغار علي أمه، أعلم جيداً أنك
تريد شراء قنينة وتقلص من حجمي وتضعني فيها لكي لا يراني أو يسمعني أو
يحدثني أحد، تغار ياطفلي بطريقة جنونية ومتأكده أنه يجن جنونك إذا سألي
أحداً عن حالي؟! أستطيع أن اسمع قلبك وهو يقول في سئم: وأنت مالك؟ ولكن
لسانك يرد بهدوء يستر جنونك بي: الحمد الله..
وتكون
صديقي عندما تتضيق بي الدنيا، فتجلس في هدوء العظماء واضعاً أصباعيك علي
ركن من أركان رأسك لكي تنصت لي وتفكر في كل كلمة أقولها لكي تساعدني في
الخروج من محنتي!
أما
أنا بالنسبة لك دائماً ( طفلة متنكرة في ثوب أمرأة) في حفلة وسوف تتخلي
عن تنكرها هذا قريباً، تدللني كطفلتك الصغيرة وتحبني وتغمرني من حنانك،
تشتري لي الحلويات لكي تفرحني بها بل تبحث وتوجد كل ما يجعلني سعيدة، أنت
رسالتك في الحياة أن تجعل قلبي يرفرف دائماً من الفرحة!
وهذه الطفلة كانت قبلك عجوزة هرمة بقلباً مجعداً وأوشكت روحها أن تفارق جسدها، عجوزة أصابها الخرف لأنها تشعر بأنها في العدم!
فأنت
من أوجدتني من العدم، لا تستغرب كثيراً فأنا قبلك كنت أقطن العدم، في
عالم مفرغاً، في صحراء جرداء بلا زاد وبلا ماء أشعر بأني يكسوني الخطر
دائماً، وعندما أوجدتني وأمسكت بيدي ولدت من جديد، بل دعني أقول أنك أعدت
لي حياتي المسروقة مني، أنا بالفعل كنت مسروقة، فلقد سرقت أحلامي وفيها
أبيدت موهبتي، والتي استنشقت عبير قصصي وخواطري ومقالاتي عندما دبت فيها
الحياة من روحك الدافئة، أنت من أخرجتها من دفنتها وأنفضت عنها غبار الحياة
وبدأت تثقلها مثل الذي يصقل جوهرة، وأنت الوحيد الذي يؤمن بي ويشجعني
ويدفعني إلي الإمام، تراني أني سوف أكون أديبة ذات يوم، بالرغم أني أشكو أن
لا يوجد نققاً واحداً أعبر منه لتحقيق أحلامي، ولكن أنت تري فيه مالم
أستطيع رؤيته أنا! هكذا أنت دائماً.. فتراني جميلة بدون مساحيق، وتري أن
المساحيق تجعلني جميلة ولكن لا ازداد معها جمالاً، تراني أني غير مريضة
بمرض السكر بل إنسانة معافية البدن، وتراني أن عدم أنجابي لا ينقص من
أنوثتي بل تراني أنثي مفعمة بالنشاط والحيوية، ولكن دعني أعترف لك بأني
اشتاق بأن أكون أماً لأني اشتاق أن أحمل بداخل رحم روحي قطعة منك، أريد أن
تسكنني أكثر!
تراني مجنونة ٠٠ طيبة... مندفعة..خجولة!
وتراني
في كثير من الأحيان (أغلب من الغلب) أره نظرة الحزن في عيونك، تحزن علي
طيبتي التي أفرقها علي كل الناس وفي المقابل أنا لا أشعر بالدفئ بهم بل
أشعر بالوهن والظلم وبرودة تجتاح وجودي، ولذلك تجتهد لكي تعوضني عما
أفتقده، فأنت تعلم أني أفتقد قلوب تشعرني بالحب والدفء، ولهذا اشريت لي قطة
( جوليت) لكي تؤنسني في غيابك، لكن ألعب وأكل وأنام معها وأشعر بدفئ لأنك
عندما ترحل من البيت تأخذ معك كل الدفئ والأمان!
تراني
أني لا أريد أن اعتمد علي نفسي في أي شئ، حتي في الشراء ولكن هذا غير
حقيقي، فأنا أفتعل ذلك لأني أحب هذا الشعور.. أني مسئولة منك وأنك تحتويني!
ولا
تلومني في ذلك فأنت بالنسبة لي رجل بمعني الكلمة و بالنسبة لي الأمان، في
غيابك أشعر بالذعر والخوف ومعك أشعر بأمان ودفئ ليس لهم مثيل، أنا بدونك لا
وجودي لي.. أنا بدونك يتيمة!
رغم
وفاة أبي فأنا لم أشعر بليتم، بل وجوده في حياتي هو اليتم الحقيقي، ووجودك
في حياتي يشعرني بأن لم يمت أبي ليس لأنك تشبه بل لأنك تقوم بدور هو تخلي
عنه!
ولذلك تفاجئني دائماً لتعوضني عن مفاجأت حلمت بها من أبي، وأهديتني
أمس( زهور حمراء) و ( قلب أحمر من الهيليوم) أعلم جيداً إنك ترفض وتعترض
وتمقت أن تسجن حبنا في يوماً واحد وهو ( عيد الحب) وأعلم ياحبيبي أنني
أيضاً أرفض هذا لأنك حبيب عمري! وليس يوماً هو الذي سوف يذكرني بأنك
حبيبي، وليس يوماً هو الذي يجعلني أعاملك بطريقة مخصوصة تختلف عن سائر
الأيام!
أتعلم
أني لا أجعل الزعل يحتل حياتنا لأني أخاف أن افتقدك أو تفتقدني ويندم كل
منا علي أنه أضاع وقته في زعل بدلاً أن يعيشه في سكينة وسلام ولكن هذا لا
يمنع أني أزعل منك أحياناً ولكن ليس كثيراً!
أحبك
من كل قلبي لأنك الوحيد علي الكرة الأرضية بعد أهلي الذي يحبني ويقدرني
ويتقي الله فيه، أحبك ومهما حاولت أخفاء حبي لكي لا يحسدنا الناس، أفشل
وتفضحني عيوني وابتسمتي ولهجتي وخجلي!
وربنا يحفظك لي ويحفظك من كل شر ويرزقنا بيوسف ( لأن أحب سورة يوسف) وأحب أبي الروحي ( يوسف إدريس)
حبيبتك/ نيللي
التاريخ: ١٦- ٢- ٢٠١٣
الساعة: ٨:٣٠ مساءً- شتاءً
الرسائل بخط اليد تحمل معاني يقرؤها الطرف الآخر بإحساسه قبل أن يقرأها بلسانه ..
ردحذفجميلة هي رسالتك الأولى ..
أتعلم منها الكثير ..
دمت بألف خير ..
مع التحية الطيبة ..
ألف شكر لك:)
حذفصباح الغاردينيا نيللي
ردحذفمنذ يومين أقرأ تعليقاتك هنا وهناك حتى أدركت عذوبة إحساسك ورقي فكرك واليوم أقرأ نيللي بشكل مختلف آنسانه عذبة وطفلة جميلة وانثى فاتنة بآحساسها وحرفها رسالتك الاولى عرفتنا على قلب نيللي الذي أحببته جداً تبقى رسائل اليد مختلفة جداً فـ الحبر ينسكب فيه الكثير منا والورق يحمل من ملامحنا فكم هو جميل لو عدنا لتلك الرسائل القديمة "
؛؛
؛
كنتِ رائعة وآكثر
لروحك عبق الغاردينيا
كانت هنا
Reemaas❤
كلامك عني فرح قلبي ياريماس:)
حذفربنا يفرح قلبك وتضئ مدونتي بتواجدك دائماً:)
جميلة رسالتك نقية من القلب جميلة مثلك :)
ردحذفربنا يحفظكوا و يسعدكو :)))
تحياتي
تسلمي يارب وربنا يبارك فيكي ونورتي المدونة:)
حذفالرسائل المكتوبة. الرسائل الورقية، مضى عهدها بكثير.
ردحذفلقد أحييت ذكرى من عمقنا يا نيللي، لم نعد نستلم إلا رسائل الأبناك والرسائل الادارية التي هي فقط من تأتينا عبر البريد. وهذه ليس لها أي ذوق ولا تحمل أي احساس.
رسالتك جميلة مليئة بالود والاحساس الإنساني الجميل.
مع كامل تحيتي أختي نيللي، وواصلي مشوارك.
أتعلم أنوكلمة ( واصلي مشوارك) أعطيتني دافعة للأمام وتشجيع:)
حذفربنا يبارك فيك أخي رشيد:)